سؤال يبدو أنه من الصعب الإجابة عليه بسهولة حول أمة الشركات الناشئة في العالم. كيف يمكن لدولة جديدة يبلغ عدد سكانها حوالي 8 مليون نسمة فقط، أن تقدم إلى العالم أكبر عدد من الشركات الناشئة الناجحة بمعدلات أكبر من كل اليابان، الصين، الهند وغيرها من الدول؟
أولاً يجب أن نتفق على مبدأ أساسي وهو أن التطور التكنولوجي والإبداع، يعتبران المحرك الأساسي لاقتصاد أي دولة. وفي يومنا هذا تحاول جميع الدول تحقيق نهضتها الاقتصادية عبر الاستثمار في البحث العلمي والتطور التكنولوجي.
إسرائيل كانت الأولى في هذا المجال ووصلت إليه قبل غيرها. اليوم تمتلك إسرائيل أكبر عدد من الشركات المُدرجة في بورصة ناسداك وهي من خارج قارة أمريكا الشمالية.
أمة الشركات الناشئة – نقطة البداية الأهم
قبل بداية التسعينات من القرن الماضي نجحت الخطة الاقتصادية التي تم وضع أسسها في عام 1985 في تأسيس نجاح اقتصادي أصبح الأسرع على مستوى العالم. هي الخطة هدفت وقتها إلى السيطرة على معدلات التضخم وتوفير بيئة عمل للأيدي العاملة والعقول المبتكرة للبقاء في داخل إسرائيل والعمل فيها.
هذا ما أدى إلى ظهور الموجة الأولى من الشركات الناشئة الإسرائيلية في بداية حقبة التسعينات. وقد كان التفوق في القطاع التكنولوجي هو حجر الأساس في وضع الاقتصاد الإسرائيلي على الطريق الصحيح. في البداية ارتفع الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 4% على أساس سنوي للفرد الواحد. واكتسب القطاع التكنولوجي الإسرائيلي شهرة عالمية واسعة بسبب الابتكار والإبداع في المنتجات التي قدمها إلى السوق وقتها، خاصةً عندما اتجه إلى مجالات تصدير المنتجات مثل أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الطبية.
أمة الشركات الناشئة – اليوم تمثل التكنولوجيا فائقة الدقة أكثر من 50% من إجمالي صادرات إسرائيل الصناعية إلى العالم. وخلال 10 أعوام بين عامي 1995 و2005 كانت إسرائيل أكثر دولة في العالم وقتها تنفق الأموال على مجالات البحث العلمي والابتكار والتطوير التكنولوجي، حيث ارتفع معدل الإنفاق من 2.8% إلى 4.7% وهو أعلى من أي دولة أخرى انفقت على هذا المجال في منظمة التعاون الاقتصادي.
خلال فترة التسعينات أيضاً ارتفعت الصادرات الصناعية الإسرائيلية والقائمة على التكنولوجيا من 7.8 مليار دولار إلى 21 مليار دولار.
بين عامي 2006 و2015 تضاعف عدد الشركات الناشئة الإسرائيلية التي تعمل في صناعة التكنولوجيا على أساس سنوي، فقد أضاف السوق حوالي 650 شركة ناشئة جديدة بين عامي 2006-2009 وعدد 1150 شركة ناشئة جديدة بين عامي 2011-2014.
اليوم يظهر في إسرائيل ما يقارب من 1000 شركة ناشئة كل عام وقد استقر هذا الرقم تقريباً من بداية 2019.
صفات الإسرائيلين من المبادرة والطموح الشخصي وحب المخاطرة كانت من أهم العوامل الحاسمة في حصول إسرائيل على لقب “أمة الشركات الناشئة Start-up Nation“
قصة ابتكار
قد لا تكون إسرائيل “وادي السيليكون” القادم، لكنها بالتأكيد موطن للشركات الناشئة الأكثر نجاحاً في العالم. ووفق إحصائيات عام 2019، تحتوي مدينة تل أبيب على أكبر عدد من الشركات الناشئة للفرد الواحد أكثر من أي مدينة أخرى في العالم.
بسبب هذه البيئة الصحية لقطاع الأعمال في دولة إسرائيل (أمة الشركات الناشئة) وبسبب عوامل التمويل، يختار العديد من رواد الأعمال في العالم تأسيس شركتهم الناشئة في هذه الدولة الصغيرة. والسبب في ذلك أنهم يعلمون بوجود بيئة تقوم الابتكار ودعم القطاع التكنولوجي من قبل الدولة بالدرجة الأولى. وأشار العديد من أصحاب هذه الشركات أنهم حققوا الكثير من النجاح مقارنةً بالشركات التي بدأت عملها في وادي السيليكون بالولايات المتحدة الأمريكية، وهم على الاستعداد للمغامرة في الدخول إلى هذه التجربة التي أثبتت نجاحها على مدى السنوات الماضية.
في عام 2018 استحوذت شركة إنتل Intel العملاقة على شركة Mobileye الإسرائيلية بصفقة بلغت 15.3 مليار دولار، فيما أعتبر أكبر صفقة استحواذ في تاريخ الشركات الناشئة الإسرائيلية. وفي نفس العام أيضاً قامت شركة Temasek Holdings السنغافورية بشراء شركة شركة Sygnia الإسرائيلية الناشئة في مجال التكنولوجيا الإلكترونية بمبلغ 250 مليون دولار.
طبعاً لا نستطيع أن ننسى أيضاً شركة Waze التي تعتبر مثالًا رائعاً على قدرة الابتكار والتطور التكنولوجي في إسرائيل. هذه الشركة تعمل في مجال تطوير برامج GPS ورسومات الخرائط. شركة جوجل العملاقة اشترت شركة Waze الإسرائيلية مقابل 1 مليار دولار في عام 2013.
أخيراً… يبدو أن أمة الشركات الناشئة مستعدة لمواصلة قيادة عجلة التطور والإبداع التكنولوجي حتى تصل به إلى أسواق عالمية جديدة كل يوم.
اتفاقية السلام الأخيرة بين دول الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل سوف تفتح أسواقاً جديدة بالنسبة إلى أمة الشركات الناشئة . هذه الأسواق كانت حتى وقت قريب مغلقة ومستحيلة الوصول إليها.